روائع مختارة | قطوف إيمانية | أخلاق وآداب | الإرشاد الأسري حاجة أم تجارة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > أخلاق وآداب > الإرشاد الأسري حاجة أم تجارة


  الإرشاد الأسري حاجة أم تجارة
     عدد مرات المشاهدة: 2020        عدد مرات الإرسال: 0

ظل المجتمع لفترة طويلة متهيبًا من مسمى الإرشاد الأسري، رافضين له بشكل سافر أو خفي بإعتباره عند الأكثرية كشفًا للمستور من جهة، وإنعدام الثقة في العاملين في المجال من جهة أخري وذلك إتكاء على إرث ثقافي لا يحبذ إظهار الأمور على حقيقتها.

ولكن التداخلات والتغيرات الحضارية سواء كنا نعي حقيقة تأثيراتها الإجتماعية أو نتجاهلها فرضت واقعًا جديدًا وملموسًا يومًا وراء آخر.

فقد زادت نسبة المشاكل الإجتماعية التي خرجت عن النطاق التقليدي للتشاور الأسري الذي لا ينتهي بعلاج حقيقي للمشكلة إنما إلى هدنة مؤقتة قد تؤدي إلى مزيد من تفاقم الأمور بحكم تكدسها وتراكمها عبر الزمن والأحداث.

ولا نستطيع في هذا النطاق أن نتجاهل إرتفاع نسبة الطلاق في المجتمع خاصة بين حديثي الزواج، وحيرة الشباب المقبلين على الزواج من الجنسين من حيث إنعدام تهيئتهم لذلك من كافة النواحي وتخبطات التكيف الناتجة من إصطدام الأدوار بين الزوجين والفجوة التي قد تحدث بين توقعاتهم وأحلامهم وواقع الحياة الذي يتطلب تحملًا كاملًا للعديد من المسؤوليات والأدوار.. كما ظهر تغييرًا واضحًا للأدوار حيث ساهمت كثير من السيدات في كيان الأسرة الإقتصادي دون أن تكون مشاركة في صناعة قراراتها المهمة.

تخلي الكثير من أرباب الأسر عن مسؤولية الإنفاق وتحميلها بالكامل أو بنسبة كبيرة للنساء مما أدى إلى إرتباك الأدوار وتشوهها.. إضافة إلى مشكلة هروب الفتيات التي لم تدرس إلى الآن بشكل اجتماعي ونفسي معمق مما قد يزيد في تفاقمها.

إنتشار العنف الأسري تجاه النساء والأطفال بشكلٍ واضح وغير مسبوق في ظواهر متوالية لم يعرفها المجتمع من قبل، مما أبرز ضرورة إنشاء دور الحماية التي أسست على عجل لإستيعاب ضحايا هذه الظاهرة.

الإنشغال بالنفس والمتطلبات والطموحات الذاتية عن الرعاية الحقيقية للأطفال والإكتفاء بالوفرة المعيشية بكافة أشكالها الصالحة والطالحة كبديل للتربية.

الإهمال الأسري والإعتماد بشكل كبير جدًا على العمالة المنزلية من خدم وسائقين في تلبية إحتياجات الأطفال مما أنشأ أجيالًا رخوة تائهة لا تنتمي إلى إرثها وتقاليدها الإجتماعية.

كل ذلك وغيره من مشكلات المجتمع أوجبت إيجاد مؤسسات وبرامج تعنى بالإرشاد الأسري والإجتماعي.

وقد ظهر في الآونة الأخيرة الكثير منها وشاعت بشكل كبير، وهنا الوقفة المهمة، فرغم حاجة المجتمع كغيره من المجتمعات إلى هذه الخدمات والمؤسسات إلا أنها سلاح ذو حدين، حيث يجب أن يتولاها ذوو الإختصاص والخبرة المعمقة في هذا المجال وتكون تحت إشراف أكاديمي وعلمي ذو إعتبار، لأنها مسؤولية خطيرة لا يستطيع أن يقوم بها كل من يحمل مؤهل إجتماعي في علم الإجتماع أو النفس فقط، بل لابد أن تكون خبرته في مجال محدد وأن يحصل على ترخيص مزاولة هذا العمل من الكليات والجامعات المعتمدة أو هيئة التخصصات الصحية أو غيرها من الهيئات العلمية.. لأن الإرشاد الأسري ليس بالأمر السهل الذي لا يتعدى النصائح والإرشادات العامة كما يعتقد كثير من الدخلاء في هذا المجال.. فهو علم عميق له إختصاصات كثيرة فهناك الإرشاد الزواجي، والإرشاد التربوي والموجّه للأطفال وآخر للمراهقين، وكذلك للأسر التي لديها مرضى أو مدمنين أو معاقين وتخصصات أخرى كثيرة لا يسمح المجال بسردها إلا أن كلًا منها يتطلب حذقًا وعلمًا وخبرة متخصصة.

ومهمة المرشد الأسري شاقة فهو يتحمل مسؤولية تفسير السلوكيات وتوجيهها للفرد والأسرة وإرشادهم إلى أسلم السبل للسلوك التكيفي الناضج بعبارة أخري يغير في حياة فرد وأسرة ويساهم في رسم خارطة جديدة لسلوكهم فمن يتصدى لتلك المسؤولية دون إختصاص يعتب كمن إرتكب تعديًا على المجتمع.

وهنا بيت القصيد، فقد إستغلت حاجة المجتمع الملحة لهذا النوع من الخدمة الإرشادية وأنشأت الكثير من المراكز وأصدرت الكثير من البرامج من غير ذوي الإختصاص أو من أصحاب الخبرات المحدودة في مجالات معينة كالتربية وكلنا نعلم أن هناك فرقًا كبيرًا بين المدرس والأخصائي الإجتماعي الممارس للإرشاد الأسري.

ولعل ما شجَّع على الإنتشار الفوضوي لذلك أن فتح هذه المراكز لا يتطلب إلا سجلًا تجاريًا بإعتبارها مشروعًا.. وهنا تكمن الخطورة فلا يمكن إطلاقًا المتاجرة في هذا المجال والتعامل مع المؤسسات المعنية بسلوك الفرد بمعايير التجارة بل لابد أن تنقل تراخيص هذه المؤسسات إلى هيئات أخرى تشرف بشكل علمي ودقيق عليها فكل كلمة من المرشد أو الأخصائي الإجتماعي أو النفسي لها تأثير، أقول ذلك بناء على ما إختبرته لسنوات طويلة في هذا المجال، ويؤلمني حقًا أنه أصبح مسرحًا تجاريًا.

بقلم: اعتدال عطيوي.

المصدر: مركز واعي للإستشارات الإجتماعية.